فصل: السنة الثانية من سلطنة الظاهر بيبرس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الثانية من سلطنة الظاهر بيبرس وهي سنة ستين وستمائة

فيها استولى الملك الظاهر بيبرس صاحب الترجمة على دمشق وبعلبك والضبيبة وحلب وأعمالها خلا البيرة‏.‏

وفيها استولى التتار على الموصل وقتلوا الملك الصالح صاحبها الذي كان خرج مع الخليفة المستنصر من ديار مصر على ما يأتي ذكرهما في محله من هذه السنة‏.‏

وفيها توفي الخليفة أمير المؤمنين المستنصر بالله أبو القاسم أحمد ابن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد ابن الناصر لدين الله أحمد الذي بويع بالقاهرة بالخلافة بعد شغور الخلافة نحو سنتين ونصف وخرج الملك الظاهر بيبرس معه إلى البلاد الشامية وقد مر ذكر قدومه القاهرة وبيعته وسفره وقتله ورفع نسبه إلى العباس رضي الله عنه في ترجمة الملك الظاهر هذا ولا حاجة للإعادة ومن أراد ذلك فلينظره هناك‏.‏

وفيها قتل الملك الصالح إسماعيل ابن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل‏.‏

وقد ذكرنا وفوده على الملك وخروجه مع أخيه والخليفة المستنصر بالله المقدم ذكره فلا حاجة لذكره هنا ثانيًا قتل بأيدي التتار في ذي القعدة وكان عارفًا عادلًا حسن السيرة‏.‏

وفيها توفي الأمير سيف الدين بلبان الزردكاش كان من أعيان أمراء دمشق وكان الأمير طيبرس الوزيري نائب الشام إذا خرج من الشام استنابه عليها وكان دينًا خيرًا‏.‏

مات بدمشق في ذي الحجة‏.‏

وفيها توفي الحسن بن محمد بن أحمد بن نجا الشيخ الأديب أبو محمد الغنوي النصيبي الشافعي الإربلي المنشأ الضرير الملقب بالعز‏.‏

قال صاحب الذيل على مرآة الزمان‏:‏ المشهور بعدم الدين والزندقة‏.‏

كان فاضلًا في العربية والنحو والأدب وعلوم الأوائل منقطعًا في منزله يتردد إليه من يقرأ عليه تلك العلوم وكان يتردد إليه جماعة من المسلمين واليهود والنصارى والسامرة يقرئ الجميع قال‏:‏ وكان يصدر عنه من الأقوال ما يشعر بانحلال عقيدته‏.‏

ومات في شهر ربيع الأخر توهم واشينا بليل مزاره فهم ليسعى بيننا بالتباعد فعانقته حتى اتحدنا تعانقا فلما أتانا ما رأى غير واحد قال الشهاب محمود‏:‏ ولما أنشدت هذين البيتين يعني قول العز‏:‏ توهم واشينا بليل مزاره بين يحيى الملك الناصر صلاح الدين صاحب دمشق قال‏:‏ لا تلمه فإنه لزمه لزوم أعمى فلما بلغ العز قول الملك الناصرة قال‏:‏ والله هذا الكلام أحلى من شعري‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام عز الدين أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب السلمي الدمشقي الشافعي المعروف بابن عبد السلام‏.‏

مولده سنة سبع أو ثمان وسبعين وخمسمائة‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وتفقه على الإمام فخر الدين ابن عساكر وقرأ الأصول والعربية ودرس وأفتى وصنف وبرع في المذهب وبلغ رتبة الاجتهاد وقصده الطلبة من الآفاق وتخرج به أئمة وله التصانيف المفيدة والفتاوى السديدة وكان إمامًا ناسكًا عابدًا وتولى قضاء مصر القديمة مدة ودرس بعدة بلاد‏.‏

ومات في عاشر جمادى الأولى‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام الواعظ عز الدين أبو محمد عبد العزيز ابن الشيخ الإمام العلامة أبي المظفر شمس الدين يوسف بن قزأوغلي الدمشقي الحنفي وهو ابن صاحب مرآة الزمان‏.‏

كان عز الدين فقيهًا واعظًا فصيحًا مفتنًا درس بعد أبيه في المدرسة المعزية ووعظ وثان لوعظه موقع في القلوب وكانت وفاته بدمشق في شوال ودفن عند أبيه بسفح قاسيون‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن أبي جرادة عامر بن ربيعة بن خويلد بن عوف بن عامر بن عقيل العقيلي الحلبي الفقيه الحنفي الكاتب المعروف بابن العديم ورفع نسبه بعض المؤرخين إلى غيلان‏.‏

مولده بحلب في العشر الأول من ذي الحجة سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع الحديث من أبيه وعمه أبي غانم محمد ومن غيرهما وحدث بالكثير في بلاد متعددة ودرس وأفتى وصنف وكان إمامًا عالمًا فاضلًا مفتنًا في علوم كثيرة وهو أحد الرؤساء المشهورين والعلماء المذكورين‏.‏

وأما خطه ففي غاية الحسن يضاهي ابن البواب الكاتب وقيل‏:‏ إنه هو الذي اخترع قلم الحواشي وعرض بهذا في شعره القيسراني رحمه اله تعالى بقوله‏:‏ الوافر بوجه معذبي آيات حسن فقل ما شئت فيه ولا تحاشي ونسخة حسنه قرئت وصحت وها خط الكمال على الحواشي قلت‏:‏ وذيل عليه القاضي علاء الدين علي ابن خطيب الناصرية قاضي قضاة الشافعية بحلب ذيلًا إلا أنه قصير إلى الركبة وقفت عليه فلم أجده جال حول الحمى ولا سلك فيه مسلك المذيل عليه من الشروط إلا أنه أخذ علم التاريخ بقوة الفقه على أنه كان من الفضلاء العلماء ولكنه ليس من خيل هذا الميدان وكان يقال في الأمثال‏:‏ من مدح بما ليس فيه فقد تعرض للضحكة‏.‏

انتهى‏.‏

ومحاسن ابن العديم كثيرة وعلومه غزيرة وهم بيت علم ورياسة وعراقة‏.‏

يأتي ذكر جماعة من ذريته وأقاربه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى‏.‏

ومن شعر الصاحب كمال الدين المذكور مما كتبه على ديوان الشيخ أيدمر مولى وزير الجزيرة وهو‏:‏ الطويل وكنت أظن الترك تختص أعين لهم إن رنت بالسحر منها وأجفان إلى أن أتاني من بديع قريضهم قواف هي السحر الحلال وديوان فأيقنت أن السحر راجعة لهم يقر لهم هاروت فيها وسحبان ومن شعره أيضًا رحمه الله وأجاد فيه إلى الغاية‏:‏ الطويل فواعجبا من ريقها وهو طاهر حلال وقد أمسى علي محرما هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ولذته مع أنني لم أذقهما الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏.‏

وفيها توفي العلامة عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي بالقاهرة في جمادى الأولى عن ثلاث وثمانين سنة‏.‏

والصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله بن العديم العقيلي بعد ابن عبد السلام بأيام وكان له اثنتان وسبعون سنة‏.‏

ونقيب الأشراف بهاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم بن أبي الحسن الحسيني في رجب عن إحدى وثمانين سنة‏.‏

وضياء الدين عيسى بن سليمان التغلبي في رمضان وله تسعون سنة‏.‏

واستشهد في المصاف المستنصر بالله أحمد ابن الظاهر محمد ابن الناصر في أوائل المحرم بالعراق وتفرق جمعه‏.‏

وقتلت التتار في ذي القعدة الملك الصالح ركن الدين إسماعيل بن لؤلؤ صاحب الموصل بعد الأمان‏.‏

وفي شهر ربيع الآخر العز الضرير الفيلسوف حسن بن محمد بن أحمد الإربلي وله أربع وسبعون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادق ثماني عشرة ذراعا سواء‏.‏

السنة الثالثة من سلطنة الظاهر بيبرس وهي سنة إحدى وستين وستمائة‏.‏

فيها بايع السلطان الملك الظاهر بيبرس المذكور الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد ابن الأمير أبي علي الحسن وقيل‏:‏ ابن محمد بن الحسن بن علي القبي ابن الخليفة الراشد وهو التاسع والثلاثون من خلفاء بني العباس وهو أول خليفة من بني العباس سكن بمصر ومات بها وبويع يوم الخميس تاسع المحرم من سنة إحدى وستين وستمائة وكان وصوله إلى الديار المصرية في السنة الحالية‏.‏

وفيها هلك ريدا فرنس واسمه بواش المعروف بالفرنسيس ملك الفرنج الذي كان ملك دمياط في دولة الملك الصالح أيوب‏.‏

وفيها توفي المحدث الفاضل عز الدين أبو محمد عبد الرزاق بن رزق الله ابن أبي بكر بن خلف الرسعني كان إمامًا فاضلًا شاعرًا محدثًا‏.‏

ومن شعره‏:‏ ولو أن إنسانا يبلغ لوعتي وشوقي وأشجاني إلى ذلك الرشا لأسكنته عيني ولم أرضها له فلولا لهيب القلب أسكنته الحشا وفيها توفي الأمير مجير الدين أبو الهيجاء بن عيسى الأزكشي الكردي الأموي كان من أعيان الأمراء وشجعانهم ولما ولي الملك المظفر قطز السلطنة وولى الأمير علم الدين سنجر الحلبي نيابة الشام جعله مشاركًا له في الرأي والتدبير في نيابة الشام وكان الملك الأشرف موسى ابن العادل يا أحمد ما زلت عماد الدين يا أشجع من أمسك رمحًا بيمين لا تيئسن إن حصلت في سجنهم ها يوسف قد أقام في السجن سنين وكان مولده بمصر في سنة ثمان وستين وخمسمائة ومات في جمادى الأولى بمدينة إربل‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي عبد الغني بن سليمان بن بنين البناني في شهر ربيع الأول وله ست وثمانون سنة وهو آخر من روى عن عمر‏.‏

والعلامة علم الدين القاسم بن أحمد الأندلسي في رجب بدمشق وله ست وثمانون سنة‏.‏

والإمام تقي الدين أبو القاسم عبد الرحمن بن مرهف الناشري المصري المقرئ في شعبان وله إحدى وثمانون سنة‏.‏

والإمام كمال الدين علي بن شجاع بن سالم العباسي الضرير في ذي الحجة وله تسعون سنة إلا شهرًا‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وثلاث عشرة إصبعا‏.‏

السنة الرابعة من سلطنة الظاهر بيبرس وهي سنة اثنتين وستين وستمائة‏.‏

فيها انتهت عمارة مدرسة السلطان الملك الظاهر بيبرس ببين القصرين من القاهرة‏.‏

وقد تقدم ذكرها في ترجمته‏.‏

وفيها استدعى الملك الظاهر الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري إلى القاهرة وأمره أن يجعل نائبه بحلب بعد خروجه الأمير نور الدين علي بن مجلي ففعل ذلك وقدم القاهرة فلما وصل إليها عزله وأقام نور الدين عوضه في نيابة حلب‏.‏

وقد تقدم أن علاء الدين أيدكين هو أستاذ الملك الظاهر بيبرس الذي اشتراه منه الملك الصالح نجم الدين أيوب‏.‏

وفيها كان الغلاء بديار مصر فبلغ الإردب القمح مائة درهم وخمسة دراهم نقرة والشعير سبعين درهما الإردب وثلاثة أرطال خبز بالمصري بدرهم نقرة ورطل اللحم بالمصري - وهو مائة وأربعة وأربعون درهما - بدرهم وكان هذا الغلاء عظيمًا بديار مصر‏.‏

فلما وقع ذلك فرق الملك الظاهر الفقراء على الأغنياء والأمراء وألزمهم بإطعامهم ثم فرق من شونه القمح على الزوايا والأربطة ورتب للفقراء كل يوم مائة إردب مخبوزة تفرق بجامع ابن طولون‏.‏

ودام على ذلك إلى أن دخلت السنة الجديدة والمغل الجديدة وأبيع القمح في الإسكندرية في هذا الغلاء الإردب بثلاثمائة وعشرين درهمًا‏.‏

وفيها أحضر بين يدي السلطان طفل ميت له رأسان وأربع أعين وأربع أيد وأربع أرجل فأمر وفيها توفي القاضي كمال الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الأسدي الحلبي الشافعي المعروف بابن الأستاذ قاضي حلب مولده سنة إحدى عشرة وستمائة سمع الكثير وحدث ودرس وكان فاضلًا عالمًا مشكور السيرة مات في شوال‏.‏

وفيها توفي شيخ الشيوخ الصاحب شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن بن منصور الأنصاري الأوسي الدمشقي المولد الحموي الدار والوفاة الإمام الأديب العلامة مولده يوم الأربعاء ثاني عشرين جمادى الأولى سنة ست وثمانين وخمسمائة وسمع الحديث وتفقه وبرع في الفقه والحديث والأدب وأفتى ودرس وتقدم عند الملوك وترسل عنهم غير مرة‏.‏

وكانت له الوجاهة التامة وله اليد الطولى في الترسل والنظم وشعره في غاية الحسن‏.‏

ومن شعره - رحمه الله - قوله‏:‏ الخفيف إن قومًا يلحون في حب سعدى لا يكادون يفقهون حديثا سمعوا وصفها ولاموا عليها أخذوا طيبًا وأعطوا خبيثا وله رحمه الله‏:‏ السريع قلت وقد عقرب صدغًا له عن شقة الحاجب لم يحجب قدست يا رب الجمال الذي ألف بين النون والعقرب مرضت ولي جيرة كلهم عن الرشد في صحبتي حائد فأصبحت في النقص مثل الذي ولا صلة لي ولا عائد وله غفر الله له‏:‏ الكامل ولقد عجبت لعاذلي في حبه لما دجى ليل العذار المظلم أومأ درى من سنتي وطريقتي أني أميل مع السواد الأعظم قلت‏:‏ وقد استوعبنا ترجمة شيخ الشيوخ بأوسع من ذلك في تاريخنا المنهل الصافي وذكرنا من محاسنه وشعره نبذة كبيرة وكانت وفاته ليلة الجمعة ثامن شهر رمضان بحماة رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الملك المغيث فتح الدين أبو الفتح عمر صاحب الكرك ابن السلطان الملك العادل أبي بكر محمد ابن السلطان الملك الكامل محمد ابن الملك العادل أبي بكر محمد ابن الأمير نجم الدين أيوب الأيوبي المصري ثم الكركي‏.‏

وقد ذكرنا من أمره نبذة كبيرة في ترجمة عمه الملك الصالح ثم من بعده في عدة تراجم لا سيما لما توجه إليه الملك الظاهر بيبرس مع جماعة البحرية وأقام عنده وحركه على ملك مصر حسب ما تقدم ذكر ذلك كله‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ ومولد الملك المغيث هذا بالديار المصرية وربي يتيمًا عند عماته القطبيات بنات الملك العادل - والقطبيات عرفن بالقطبيات لأنهن أشقاء الملك المفضل قطب الدين ابن الملك العادل - وبقي المغيث هذا عندهن إلى أن أخرج إلى الكرك واعتقل بها ثم ملكها بعد موت عمه الملك الصالح نجم الدين أيوب ووقع له بها أمور إلى أن قدم في العام الماضي على الملك الظاهر بيبرس بمصر فقبض عليه وقتله في محبسه رحمه الله تعالى لما كان في نفسه منه أيام كان بخدمته في الكرك مع البحرية‏.‏

وفيها توفي الأمير حسام الدين لاجين بن عبد الله العزيزي الجوكندار كان من أكابر الأمراء وأعظمهم وكان شجاعًا جوادًا دينًا له اليد البيضاء في غزو التتار وكان يجمع الفقراء ويصنع لهم الأوقات والسماعات وكان كبير القدر عظيم الشأن رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الشيخ محيي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم بن الحسين بن سراقة الأنصاري الأندلسي الشاطبي كان فاضلًا محدثًا سمع الكثير وولي مشيخة دار الحديث بحلب ثم ولي مشيخة الحديث بمصر بالمدرسة الكاملية وحدث بها‏.‏

ومن شعره رحمه الله تعالى‏:‏ مخلع البسيط وصاحب كالزلال يمحو صفاؤه الشك باليقين لم يحص إلا الجميل مني كأنه كاتب اليمين قلت‏:‏ وهذا بعكس قول الأديب شهاب الدين المنازي رحمه الله تعالى‏:‏ مخلع البسيط لم يحص إلا القبيح مني كأنه كاتب الشمال وفيها توفي الملك الأشرف مظفر الدين موسى ابن الملك المنصور إبراهيم ابن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن محمد ابن الملك المنصور أسد الدين شيركوه الكبير ملك الأشرف هذا حمص بعد وفاة أبيه وطالت مدته به ووقع له أمور وكان فيه مداراة للتتار واستمر على ذلك إلى أن توفي بحمص في حادي عشر صفر قبل صلاة الجمعة ودفن ليلًا على جده الملك المجاهد أسد الدين شيركوه‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي المحدث ضياء الدين علي بن محمد البالسي في صفر وله سبع وخمسون سنة‏.‏

وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري البابشرقي في شهر ربيع الأول‏.‏

والحافظ رشيد الدين أبو الحسين يحيى بن علي الأموي العطار المالكي في جمادى الأولى وله ثمان وسبعون سنة‏.‏

وأبو الطاهر إسماعيل بن صارم الخياط بعده بأيام‏.‏

والخطيب عماد الدين عبد الكريم ابن جمال الدين أبي القاسم عبد الصمد بن محمد الأنصاري بن الحرستاني في جمادى الأولى‏.‏

والورع الزاهد أبو القاسم بن منصور في شعبان‏.‏

والإمام محيي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن سراقة الشاطبي بمصر وله سبعون سنة‏.‏

وشيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري بحماة في رمضان‏.‏

والملك المغيث فتح الدين عمر ابن العادل أبي بكر ابن الكامل محمد صاحب الكرك أعدمه الملك الظاهر‏.‏

والأمير الكبير حسام الدين لاجين الجوكندار العزيزي في المحرم ودفن بقاسيون‏.‏

وصاحب حمص الملك الأشرف موسى ابن المنصور إبراهيم بن أسد الدين بحمص في صفر وله خمس وثلاثون سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعا‏.‏

السنة الخامسة من سلطنة الظاهر بيبرس وهي سنة ثلاث وستين وستمائة‏.‏

فيها ولى الملك الظاهر بيبرس من كل مذهب قاضيًا وقد تقدم ذكر ذلك‏.‏

وفيها توفي الأديب البارع شرف الدين محاسن الصوري كان عالمًا فاضلًا أديبًا شاعرًا ومات في شهر رجب‏.‏

ومن شعره رحمه الله‏:‏ الكامل عتبت على فقلت إن عاتبتها كان العتاب لوصلها استهلاكا وأردت أن تبقى المولدة بيننا موقوفة فتركت ذاك لذاك وفيها توفي الأمير جمال الدين موسى بن يغمور بن جلدك بن بليمان بن عبد الله أبو الفتح مولده في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالقوب من أعمال قوص بصعيد مصر وسمع الحديث وتنقل في الولايات الجليلة مثل نيابة السلطنة بالقاهرة ونيابة دمشق ولم يكن في الأمراء من يضاهيه في منزلته وشجاعته وقربه من الملوك وكان أميرًا جليلًا خبيرًا حازمًا سيوسًا مدبرًا جوادًا ممدحًا وكان الملك الظاهر إذا عمل مشورة وتكلم جمع خشداشيته من الأمراء فلا يصغي إلا إلى قول ابن يغمور هذا ويفعل ما أشار به عليه‏.‏

وكانت وفاته في مستهل شعبان بالقصير من أعمال الفاقوسية بين الغرابي والصالحية‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ دوبيت ما أحسن ما جاء كتاب الحب يبدي حرقًا كأنه عن قلبي فازددت بما قرأت شوقا وضما لا يبرده إلا نسيم القرب الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي المحدث معين الدين إبراهيم بن عمر بن عبد العزيز القرشي الزكوي‏.‏

والحافظ زين الدين أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد النابلسي بدمشق وله ثمان وسبعون سنة في سلخ جمادى الأولى‏.‏

والأمير الكبير جمال الدين موسى بن يغمور‏.‏

والنجيب فراس بن علي بن زيد العسقلاني التاجر‏.‏

وقاضي الديار المصرية بدر الدين يوسف بن الحسن السنجاري في رجب‏.‏

والشيخ أبو القاسم الحواري الزاهد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا السنة السادسة من سلطنة الظاهر بيبرس وهي سنة أربع وستين وستمائة‏.‏

فيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن صالح كان فاضلًا أديبًا‏.‏

ومن شعره رحمه الله في مكار مليح‏:‏ مجزوء الرجز علقته مكاريًا شرد عن عيني الكرى قد أشبه البحر فلا يمل من طول السرى وفيها توفي طاغية التتار وملكهم هولاكو وقيل هولاوون وقيل هولاو بن تولي خان بن جنكز خان المغلي التركي ملك مكان أبيه بعد موته وكان من أعظم ملوك التتار وكان حازمًا شجاعًا مدبرًا استولى على الممالك والأقاليم في أيسر مدة وفتح بلاد خراسان وأذربيجان وعراق العجم وعراق العرب والموصل والجزيرة وديار بكر والشام والروم والشرق وغير ذلك‏.‏

وهو الذي قتل الخليفة المستعصم المقدم ذكره وكان على قاعدة المغل لا يتدين بدين وإنما كانت زوجته طقز خاتون قد تنصرت فكانت تعضد النصارى وتقيم شعائرهم في تلك البلاد‏.‏

وكان هولاكو سعيدًا في حروبه لا يروم أمرًا إلا ويسهل عليه وكانت وفاته بعلة الصرع وكان الضرع يعتريه من عدة سنين في كل وقت حتى إنه كان يعتريه في اليوم الواحد المرة والمرتين والثلاث ثم زاد به فمرض ولم يزل ضعيفا نحو شهرين وهلك فأخفوا موته وصبروه حتى حضر ولده أبغا وجلس مكانه في الملك وقيل‏:‏ إنه لم يدفن وعلق بسلاسل ومات وله ستون سنة أو نحوها‏.‏

وخلف من الأولاد الذكور سبعة عشر ولدًا‏.‏

وهم أبغا الذي ملك بعده وأشموط وتمشين وتكشي وكان جبارًا وأجاي وتستر ومنكوتمر الذي التقى مع الملك المنصور قلاوون على حمص وانهزم جريحًا كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى وباكودر وأرغون وتغاي تمر والملك أحمد وجماعة أخر‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو الفضل إسماعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي بن الدرجي في صفر‏.‏

والشيخ جمال الدين أحمد بن عبد الله بن شعيب التميمي في شهر ربيع الآخر وله اثنتان وسبعون سنة‏.‏

ورضي الدين إبراهيم بن البرهان عمر الواسطي التاجر بالإسكندرية في رجب وله إحدى وسبعون سنة وخلف أموالًا عظيمة‏.‏

والأمير الكبير جمال الدين أيدغدي العزيزي‏.‏

والشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي في شوال بدمشق‏.‏

والطاغية هولاكو بمراغة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وسبع وعشرون إصبعا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة السنة السابعة من سلطنة الظاهر بيبرس وهي سنة خمس وستين وستمائة‏.‏

فيها توفي بركة خان بن جوجي بن جنكزخان ملك التتار هو ابن عم هولاكو المقدم ذكره وكانت مملكته عظيمة متسعة جدًا وهي بعيدة عن بلادنا وله عساكر وافرة العدد وكان بركة هذا يميل إلى المسلمين ميلًا زائدًا ويعظم أهل العلم ويقصد الصلحاء ويتبرك بهم‏.‏

ووقع بينه وبين ابن عمه هولاكو وقاتله بسبب قتله للخليفة المستعصم بالله وغيره من المسلمين وكان بينه وبين الملك الظاهر مودة ويعظم رسله وكان قد أسلم هو وكثير من جنده وبنى المساجد وأقيمت الجمعة ببلاده وكان جوادًا عادلًا شجاعًا ومات ببلاده في هذه السنة وهو في عشر الستين وقام مقامه منكوتمر‏.‏

وفيها توفي الأمير ناصر الدين أبو المعالي حسين بن عزيز بن أبي الفوارس القيمري كان من أكابر الأمراء وأجلهم قدرًا وأكبرهم شأنًا وكان شجاعًا كريمًا عادلًا وكان الملك الظاهر قد جعله مقدم العساكر بالساحل فتوجه إليه فمات به مرابطًا في يوم الأحد ثالث عشر شهر ربيع الأول وهو صاحب المدرسة القيمرية بدمشق وكان عالي الهمة يضاهي السلاطين في موكبه وخيله ومماليكه وحواشيه‏.‏

وفيها توفي القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن خلف بن محمود بن بحر أبو محمد العلامي الفقيه الشافعي المعروف بابن بنت الأعز كان إمامًا عالمًا فاضلًا وولي المناصب الجليلة كنظر الدواوين والوزارة وقضاء القضاة ودرس بالشافعي وكانت له مكانة عند الملك الظاهر ومولده سنة أربع عشرة وستمائة ومات ليلة السابع والعشرين من شهر رجب ودفن من الغد بسفح المقطم‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام المحدث تاج الدين أبو الحسين علي بن أحمد بن علي بن محمد بن الحسين بن عبد الله بن أحمد بن ميمون القيسي المصرفي المالكي المعروف بابن القسطلاني ولد سنة ثمان وخمسمائة بمصر وبها تفقه وسمع الحديث من جماعة كبيرة وحدث بالكثير ودرس وأفتى وتولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن مات بكرة السابع والعشرين من شوال ودفن من يومه بسفح المقطم‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام الفقيه المحدث شمس الدين ملكشاه بن عبد الملك ابن يوسف بن إبراهيم المقدسي الأصل المصري المولد الدمشقي الدار الحنفي المعروف بقاضي بيسان كان فقيهًا عالمًا فاضلًا مفتنًا في علوم ولد بحارة زويلة بالقاهرة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة ومات في سادس عشر صفر بدمشق رحمه الله‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أبو الحجاج يوسف بن مكتوم السويدي الحبال‏.‏

والشيخ الصالح الأثري محمود بن أبي القاسم الدشتي بالقاهرة في رجب‏.‏

وقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن خلف ابن بنت الأعز في رجب وله إحدى وستون سنة‏.‏

والعلامة شهاب الدين أبو شامة أبو القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي ثم الدمشقي في رمضان وله ست وستون سنة‏.‏

والإمام تاج الدين علي ابن الشيخ أبي العباس أحمد بن علي القسطلاني بمصر وله سبع وسبعون سنة‏.‏

والسلطان بركة خان بن جوجي بن جنكزخان‏.‏

والأمير الكبير ناصر الدين حسين بن عزيز بن أبي الفوارس القيمري صاحب القيمرية‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة من سلطنة الظاهر بيبرس وهي سنة ست وستين وستمائة‏.‏

فيها توفي الرئيس كمال الدين أبو يوسف أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحيم بن الحسن بن عبد الله الحلبي المعروف بابن العجمي كان شاعرًا رئيسًا عالمًا فاضلًا حسن الخط والإنشاء كتب للملك الناصر صلاح الدين يوسف وكان من أعيان الكتاب وأماثلهم بلغ من العمر ستًا وأربعين سنة ومات بظاهر صور من بلاد الساحل في العشر الأول من ذي الحجة وحمل إلى ظاهر دمشق فدفن بها‏.‏

ومن شعره في خال مليح قال‏:‏ الطويل وما خاله ذاك الذي خاله الورى على خده نقطًا من المسك في ورد ولكن نار الخد للقلب أحرقت فصار سواد القلب خالًا على الخد قلت‏:‏ يعجبني قول ابن صابر المنجنيقي في هذا المعنى‏:‏ مخلع البسيط أهلًا بوجه كالبدر حسنًا صيرني حبه هلالا قد رق حتى لحظت فيه سواد عيني فخلت خالا ومثل هذا أيضًا قول القائل في هذا المعنى ولم أدر لمن هو غير أنني أحفظه قديمًا وهو في خال تحت العذار‏:‏ الوافر له خال تغشاه هلال يفوت العين إن نظرت إليه كشحرور تخبأ في سياج مخافة جارح من مقلتيه وفي هذا المعنى للعز الموصلي وأبدع إلى الغاية‏:‏ السريع قالت قفوا واستمعوا ما جرى قد هام عمي الشيخ في خالي وفي هذا المعنى‏:‏ مخلع البسيط تفاخر الحسن في انتساب لما بدا خاله الأنيق فقالت العين ذا ابن أختي وقال لي الخد ذا شقيق وقد استوعبنا هذا النوع وغيره في كتابنا حلية الصفات في الأسماء والصناعات فلينظر هناك‏.‏

وفيها توفي عفيف الدين أبو الحسن على بن عدلان بن حماد بن علي الموصلي النحوي المترجم كان إمامًا عالمًا أديبًا مفتنًا شاعرًا مات بمصر في يوم الجمعة تاسع شوال‏.‏

ومن شعره رحمه الله‏:‏ البسيط لا تعجبن إذا ما فاتك المطلب وعود النفس أن تشقى وأن تتعب إن دام ذا الفقر في الدنيا فلا تعجب مات الكرام وما فيهم فتى أعقب وفيها توفي السلطان ركن الدين كيقباد ابن السلطان غياث الدين كيخسرو ابن السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش بن أتسز بن إسرائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقي صاحب الروم كان ملكًا جليلًا شجاعًا لكنه كان غير سديد الرأي كان جعل أمره بيد البرواناه فاستفحل أمر البرواناه فأراد ركن الدين هذا قتله فعاجله البرواناه وعمل على قتله حتى قتل وكيقباد بفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف وضم القاف وفتح الباء ثانية الحروف وبعد الألف دال مهملة ساكنة‏.‏

وكيخسرو مثل ذلك غير أن الخاء المعجمة مضمومة وبعدها سين مهملة ساكنة وراء مهملة مضمومة‏.‏

وقليج أرسلان بكسر القاف واللام وسكون الياء والجيم معًا‏.‏

وأرسلان معروف‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي أيوب بن أبي بكر عمر الحمامي ابن الفقاعي‏.‏

ومجد الدين أحمد بن عبد الله بن ميسرة الأزدي ابن الحلوانية في شهر ربيع الأول‏.‏

والشيخ القدوة إبراهيم بن عبد الله ابن الشيخ أبي عمر المقدسي في شهر ربيع الأول وله ستون سنة‏.‏

وأبو بكر عبد الله بن أحمد بن ناصر النحاس في ذي القعدة‏.‏

وفيها قتلت التتار السلطان ركن الدين كيقباد ابن السلطان غياث الدين كيخسرو ابن السلطان علاء الدين كيقباد صاحب الروم وله ثمان وعشرون سنة وأجلسوا ولده كيخسرو على التخت وهو ابن عشر سنين‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعا‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعا سواء‏.‏